top of page
  • صورة الكاتبLa Cámara Real

ماهية الترجمة

تاريخ التحديث: ٣١ أغسطس ٢٠٢١







د. علي عبد اللطيف يكتب |

اختلفَ تعريف الترجمة خلال الخمسين عام الماضية اختلافاً كبيراً، يعكس، من ناحية، التطوّر الذي شهده هذا الفرع من فروع الدراسات الإنسانية، وينعكس من ناحية أخرى على طريقة التعامل مع النصوص المراد ترجمتها. فلو أنك مثلاً تنظر إلى شخص ما على أنه سارق، فإنك ستتعامل معه من هذا المنظور. أمّا لو نظرت إليه على أنه إنسان صالح، فإن طريقة تعاملك معه بالطبع ستتغير. نفس الأمر ينطبق على الترجمة والسؤال الذي نطرحه هنا هو:

كيف ننظر للترجمة؟


في أوائل الخمسينات من القرن الماضي كان ينظر للترجمة على إنها "عملية نقل نص من لغة إلى أخرى". وبالتالي كان التعامل مع النصوص المراد ترجمتها يتم على أساس أنها مجموعة من الكلمات والجمل يجب نقلها من لغة إلى أخرى. في هذا الإطار، كان قاموس اللغة هو الأداة الأساسية، بل والوحيدة للترجمة. بطبيعة الحال فإن الترجمات التي ستنتج عن هذه النظرة اللغوية للترجمة ستأتي حرفية إلى أبعد حد. فلو أردنا -وفقاً لهذه الرؤية-ترجمة عبارة Yo me llamo Ali من الاسبانية إلى العربية فإن أقرب وأفضل ترجمة لها ستكون "أنا أُدعـى/اسمّى علي"، بدلاً من الترجمة الطبيعية "أنا اسمي علي".


بعدها، تغيرت النظرة وأتفق على تعريف جديد مفاده أن الترجمة هي "عملية نقل معنى ما -وليس كلمات وجمل- من لغة إلى أخرى". نلاحظ هنا التطوّر في مفهوم الترجمة وانتقال الاهتمام من اللفظ (النص) إلى المعنى (معنى النص). وأصبح الشغل الشاغل للمترجم هو نقل معاني الكلمات والجمل من لغة إلى أخرى. وهذا بالمناسبة هو المفهوم السائد عند الكثيرين حتى الآن. ميزة هذا التعريف أنه تقدّم بالترجمة خطوة إلى الأمام من حيث الاهتمام بالمعنى ولو على حساب اللفظ، لكن عيبه أنه قد ينتج بعض التراكيب اللغوية في اللغة المنقول إليها تؤدي المعني لكنها لا تتناسب مع طبيعة هذه اللغة. فمثلاً لو أردنا ترجمة المثال El Ramadán empieza mañana en Egipto وقلنا "رمضان يبدأ غداً في مصر"، فهي ترجمة سليمة من الناحية اللغوية، كما أنها تؤدي المعنى كاملاً دون نقصان. لكننا عادةً ما نعبر عن هذا المعنى في اللغة العربية بطريقة أخرى.


بعد ذلك انتبه الباحثون في مجال الترجمة إلى القصور الذي يعتري هذا التعريف الأخير، كونه لا يؤخذ بعين الاعتبار طبيعة اللغتين طرفيّ الترجمة. من هنا ظهر تعريف جديد يقول بأنّ الترجمة هي "عملية إعادة كتابة لنص ما من لغة وثقافة إلى لغة وثقافة أخرى". كما نرى، يحتوي هذا التعبير على مصطلحين غير موجودين في التعريفات السابقة. الأول هو مصطلح "إعادة كتابة"، وهو المصطلح الذي يأخذ في الحسبان، بالإضافة لنقل المعنى المراد، طبيعة اللغة المنقول إليها ونفسية الناطقين الأصلين بها. المصطلح الثاني هو "الثقافة"، فالنصوص هي في حقيقة الأمر منتج ثقافي، يعبر بطريقة أو بأخرى عن الثقافة التي ولد من رحمها. فلو أردنا مثلاً التعبير عن المعنى المراد في المثال المذكور أعلاه باللغة العربية كما اعتدناها في مصر سنقول: "غداً أوّل أيام شهر رمضان المبارك".


سنجد هنا أن "أوّل أيام" تنقل نفس المعنى الموجود في الفعل "يبدأ" لكنها تتميز عنه في الطريقة. كذلك سنجد أننا قدمنا ظرف الزمان "غداً" ليصبح في أول الجملة بدلاً من آخرها، وذلك لأن اهتمام المسلمين عادة ما يكون منصب على تاريخ وموعد بداية الشهر لأنه إيذاناً بموعد بداية الصيام. إذن فكلا الطريقتين تنقلان المعنى، لكن الطريقة الأخيرة تنقل بشكل يتناسب مع طبيعة اللغة العربية وطبيعة متحدثيها النفسية. كذلك لإضفاء الطابع الثقافي على الترجمة تم إضافة صفة "المبارك" بعد شهر رمضان، احتراماً للثقافة العربية التي عادة ما تصف هذا الشهر بهذه الصفة.

نجمل القول في تعريف الترجمة وماهيتها ونقول إن المراد والمقصود بالترجمة هو كيفية التعبير عن معنى ما بلغة أخرى أو كما يقولون بالإنجليزية How to say that in the other language.





bottom of page